كتب: خالد عبد الرحمن
استوقفتني هذه الآية القرآنية (3: 59) طويلاً أمامها. فالآية تقول بأن الله خلق عيسى من تراب وأنه مثل آدم من ناحية الخلق حيث أنه لم يأتي إلى دنيانا مثل جميع البشر عن طريق رجل وامرأة. صحيح بأن الآية هدفها الرد على من يقول بأن عيسى هو ابن الله بنفي هذه الصفة منه وإلحاق صفة الخلق به، والرد على شبهة البنوة بأن الله أيضا خلق آدم من غير أب، فما الضرر من أن يخلق عيسى أيضاً بذات الطريقة!
ولكن ليس هذا ما أوقفني أمام الآية، ما أوقفني أمامها هو إقرارها بتشبيه عيسى بآدم. والسؤال الذي دار في ذهني زمناً: كانت هناك ضرورة لخلق آدم من غير أب لأنه ليس هناك من يولد منه آدم. ما السبب في أن يخلق عيسى من غير أب؟ ما العلاقة ما بين عيسى وآدم؟ لماذا مثل عيسى عند الله كمثل آدم؟
عيسى له مكانة خاصة ما بين الأنبياء: ولد من عذراء، تكلم في المهد، صنع معجزات، شفى أمراض، أقام موتى، خلق من الطين طيراً، لم يمت كباقي البشر بل شبه لصالبيه، رفع إلى السماء حياً، ومازال يحيا فيها، وسيأتي في نهاية الأيام.
فوق هذا كله فهو بلا ذنب، لم يذنب في حياته قط. بعالمسيح مخلصيأنبياء كثيرين: آدم الذي عصى الله بالأكل من الشجرة، إبراهيم الذي كذب ثلاث مرات، موسى الذي قتل نفساً. من الممكن أن نقول بأن هؤلاء الأنبياء شملتهم رحمة الله بمغفرة ذنوبهم، ولكن عيسى لم يذنب أبداً بحسب الأحاديث النبوية وآراء غالبية علماء الإسلام. عيسى كان باراً مثلما كان آدم باراً في الجنة قبل أن يعصي الله ويعاقب بالطرد منها. ربما هذا وجه آخر من وجوه الشبه بين عيسى وآدم. (راجع هذا الحديث الذي يعترف بذنوب الأنبياء الآخرين ولا ينسب لعيسى أي ذنب). {صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها: حديث "أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك يجمع الله..."}
نعرف بأن الله خلق آدم ووضعه في الجنة. بحسب آراء العديد من علماء المسلمين فإن آدم كان خالداً في هذه الجنة، أي أنه لا يموت. آدم كان باراً (أي بلا ذنب) قبل أن يرتكب ذنبه الأول الذي من أجله طرد من الجنة.
آدم على الأرض تحول إلى الفناء ولم يعد بعد خالداً. وهو لم يعد بعد باراً، فهو قد أرتكب ذنب معصية أمر الله الذنب الذي أدى إلى طرده من الجنة. حتى لو أن الله تاب على آدم، فهو عفو عن الذنب وليس محو للذنب.
إذا، فآدم الجنة كان باراً خالداً. أم آدم الأرض فصار مذنباً فانياً. يبدو بأن عقوبة الذنب هي الموت في شريعة الله.
الأغرب بأننا نحن أبناء آدم نموت مثله، حتى لو لم نرتكب ذنباً بعد. أو لا يموت الطفل الوليد؟ ماذا جنا هذا الطفل كي يموت؟ يبدو أننا ورثنا عقوبة آدم ألا وهي الموت.
لماذا نرث عقوبة آدم؟ هل هذا عدل يا الله!
الله والظلم لا يجتمعان في عقلي، فأنا لا أعبد شيطاناً. ولكن الله ظالم أن عاقبنا على ما لم نفعل. التفسير الوحيد كي يبقى الله عادلاً: إننا قد ورثنا ذنب آدم أيضا كي نرث عقوبته العادلة والتي هي الموت.
بسبب ذنب رجل واحد (آدم) عوقب كل الجنس البشري بالموت. أو لا يمكن أن يرفع هذا الموت ونعود إلى حالة الخلود في جنة الله ببر رجل واحد؟
ذنب آدم الأول يمحيه بر آدم ثاني. أين لنا بآدم ثان بار؟
مثل عيسى عند الله كمثل آدم، وعيسى أيضا باراً حيث أنه بلا ذنوب. إذا عيسى هو آدم الثاني البار. أو لا يفسر هذا سبب ولادته العجيبة من غير أب! أو لا يفسر هذا سر مكانته الخاصة بين الأنبياء!
ببر آدم الثاني (عيسى) نعود إلى حالة البر التي من خلالها نعود إلى الجنة حيث الخلود. بره يستر ذنب آدم الأول ويلغي عقوبة الموت التي ورثناها عنه. ولكن يجب أن نؤمن بعمل بر آدم الثاني (عيسى) كي نعود إلى حالة البر ونتمتع بالخلود في الجنة.
إن وصلت معي للنفس النتيجة، فهناك سؤال محير. إن كان آدم الأول بذنبه أورث الموت أبناءه من البشر، وآدم الثاني ببره أورث الخلود لمن يؤمنون به. فما حاجة بني آدم إلى أنبياء بعد عيسى؟! لماذا نحتاج محمد ودينه؟!
يتحدث الكتاب المقدس عن عيسى (يسوع المسيح) بأنه آدم الثاني الذي يعيدنا إلى الجنة وإلى الخلود فيها قائلاً:
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إلى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. فَإِنَّهُ حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ. لَكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدم إلى مُوسَى وَذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدم الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي. وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هَكَذَا أَيْضاً الْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً نِعْمَةُ اللهِ وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ! وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هَكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً هَكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً. (الرسالة إلى روما 5: 12-19)