يصادق القرآن على ما جاء في التوراة والانجيل في اكثر من موضع وآية. ولكن تنتشر بين المسلمين عامة فكرة أن الكتاب المقدس قد وقع عليه التحريف والتبديل، خصوصاً عندما يجدون آيات أو حوادث تبدو للوهلة الاولى متناقضة، لكنها في الحقيقة متكاملة وتحتاج الى تفسير سليم بعيد عن الشك بوحي الله والكفر به. أول سؤال يخطر على بالك كمسلم يعقل هو: "إن كان قد حصل تغيير في الكتاب المقدس، فهل حدث هذا التغيير قبل وجود القرآن أو بعده ؟"
-1- من طبيعة الحال لا يمكن أن يكون الكتاب المقدس قد تعرّض للتحريف قبل القرن السابع، وقت وجود القرآن، وإلا لتهجّم القرآن عليه ولأوصى المسلمين ولحذّر العالم أجمع كي لا يقرأوا كتاباً محرّفاً. لكن القرآن اكرم الكتاب المقدس وشدّد على انه كتاب الله المعطى لبني البشر كنور وهدى: "...وعندهم التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيّون...وآتينا الانجيل فيه هدى ونور ومصدّقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتّقين" "... وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس" (المائدة 43-48 وآل عمران2). ويستمر القرآن في تبجيله للكتاب المقدس إذ يؤكد للمسلمين على حقيقة استحالة تحوير وتغيير ذلك الكتاب العظيم. قال: "ولا مبدل لكلمات الله" (الانعام 34و115)؛ "ولن تجد لسُنّة الله تبديلاً " (يونس 64والفتح 23).ثم يشدد القرآن على أنّ الكتاب المقدس هو الذّكر (الانبياء 7و48و105)، ثم يضيف قائلاً: "إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون." (الحجر 9). فكلمة الله لا يمكن ان تتبدّل او تتغيّر لأن الله العلي العظيم حافظها. والقرآن شاهد بهذا الخصوص، ويحثّ الناس على قراءة الكتاب المقدس وقبوله والوقوف عنده: "قل يا اهل الكتاب، لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل. "(المائدة 68). راجع ايضاً البقرة 87-101و136؛ السجدة 22-24 ؛ يونس 94و95.
- 2 - كما لا يمكن تحريف الكتاب المقدس بعد القرن السابع للاسباب والأدلة التالية:
* لدينا اليوم النسخة السينائية والفاتيكانية وعائلتيهما، حوالي 10% من نسخ الكتاب المقدس؛ والنص الكامل أو(Byzantine text, or Traditional or Majority text)، حوالي90% من مجموع النسخ الأصلية، وهو الأساس لكل الترجمات ولتصحيح اخطاء النسخ القليلة الأخرى. ويَعود معظم هذه النسخ الى ما قبل القرن السابع. كما تمّ العثور على التوراة (وتعود النسخة لحوالي سنة 100 ق.م.) وذلك سنة 1947 في مغائر قمران في الاردن، وأتت مطابقة لما كان متداولاً ومنتشراً في العالم. فالتوراة التي صادق عليها القرآن، موجودة اليوم ومطابقة تماماً لنسخ التوراة الأخرى.
* لقد كان الكتاب المقدس (التوراة والانجيل) منتشراً بآلآف النسخ حتىالقرن السابع، في انحاء الارض، بين ايدي المسيحيين واليهود وغيرهم، حتى أنّ ما من قوة كان لها أي حق أو قدرة على جمع كل تلك النسخ من بين الطوائف المختلفة "والمتنوّعة" لكي يتم تحريف الكتاب المقدس. ولا شك أنّ المسلمين الأوائل قد قرأوا الكتاب المقدس ولم يُسمَع منهم أي تهجّم عليه أو أي شك في أنه كتاب الله. وقد كان منتشراً بين قبائل حِميرَ وغسان وربيعة وأهل نجران والحيرة وغيرها لذلك، فإن كان قد اصابه التغيير فعلاً، فلماذا لم يستطع المعترضون أن يظهروا الكتاب الأصلي ( **1** ) ، أو أن يقدّموا لائحة بالآيات التي تغيّرت، ولائحة بأصلها، وتعليلاً للغاية من وراء تغييرها ؟ إنّ آلآف النسخ من الكتاب المقدس، والترجمات المختلفة، منها ما يعود لما قبل القرن السابع ومنها ما يعود لما بعده، متطابقة ومحفوظة في عدد من المتاحف الكبرى والمراكز الدينية والعلمية (لدراسة النسخ القديمة). ولا يفوتك ان الكتاب المقدس وحده يتميّز عن جميع الكتب المكتوبة بأن مخطوطاته الموجودة في المتاحف العامة والخاصة، هي اقدم المخطوطات في العالم. لذلك كل من يقول أنّ الكتاب المقدس قد حُرّف فهو ينكر التاريخ والعلم.
* لقد دافع الفخر الرازي، احد مشاهير أئمة الاسلام عن صحة الكتاب المقدس وسلامة نصّه، فقال في الجزء الثالث من كتابه على الصفحة 327: "كيف يمكن التحريف في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهورة في الشرق والغرب؟ وكيف يمكن ادخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس؟.. إن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى تغيير اللفظ، فكل عاقل يرى أن تغيير الكتاب المقدس كان متعذّراً لأنه كان متداولاً بين اُناس كثيرين مختلفي الملل والنحل. فكان في ايدي اليهود الذين كانوا متشتتين في انحاء الدنيا، بل كان منتشرا بين المسيحيين في أقاصي الارض.." وهكذا، بحسب شهادة إمام أئمة الاسلام، إن تحريف الكتاب المقدس أو تبديله كان أمراً مستحيلاً. اخي العربي، أنت مدعو لتؤمن برسل الله وكتبه المحفوظة بقدرته تعالى (العنكبوت27و47؛ النساء 136؛ آل عمران 1-4). فالقرآن الذي تؤمن به يحثّك على الايمان بالكتاب المقدس لأن فيه النور والهدى الى الخلاص الابدي الذي اعدّه الله للبشر بواسطة السيد المسيح .
http://www.thegrace.com/a-quran1.htm